"مسلسلات NETFLIX الوثائقية الأصلية" منذ 50 عاماً فحسب، غامرنا أخيراً بالوصول إلى القمر. لأول مرة على الإطلاق، ننظر إلى كوكبنا. منذ ذلك الحين، تجاوز عدد البشر الضعف.
ستحتفي هذه السلسلة بعجائب الطبيعة الباقية وتكشف عما يجب أن نحافظ عليه للتأكّد من ازدهار الناس والطبيعة. هذه غابة استوائية. غابة مطيرة.
أغنى المواطن الطبيعية على وجه الأرض. لا أحد يعلم كم نوعاً بالضبط يعيش في الغابات المطيرة، ولكن العدد يصل إلى ملايين. وتُكتشف أنواع جديدة كل أسبوع.
تُوجد بعض الأنواع التي لا نعرف عنها شيئاً مثل هذا النمر الملطّخ. رغم أنها تغطّّي 7 بالمئة فقط من مساحة اليابسة في العالم، تؤدّي الأدغال دوراً بالغ الأهمية في صحّة هذا الكوكب. "الأدغال" تقع "الكونغو" في قلب "أفريقيا".
إنها أحدث الغابات المطيرة تكوّناً في كوكبنا، فعمرها 18 ألف عام فقط، وهي الدغل الذي يحتوي على حيوانات كبيرة أكثر من أي دغل آخر. عائلة من غوريلا السهول. يقودها فضّيّ الظهر هذا، الذكر المهيمن.
إنه في طول إنسان، ولكنه يزن الضعف. تعتمد عائلته عليه للنجاة. كحارس لعائلته، ينبغي عليه أن يراقب تحسّباً للخطر.
قد يغتصب ذكر آخر سلطته منه ويمزّق عائلته. ولكن يُوجد تهديد لا يستطيع السيطرة عليه. في الـ20 عاماً الأخيرة، الصيد غير القانوني للحصول على لحوم الأدغال قلّص أعداد غوريلا الـ"كونغو" إلى النصف.
نوعه الآن مهدّد بخطر انقراض داهم. إنه مجرد فيل غابة، والذي يجب ألّا يقلق فضّيّ الظهر. ولكن يملك الفيل سبباً ليحذر من الصيّادين غير القانونيين أيضاً.
أنيابها الطويلة والمستقيمة مطلوبة أكثر من أنياب أقربائها الفيلة التي ترعى على العشب. يتبع طرقاً صنعتها أجيال من الفيلة قبله، بحثاً عن الطعام. مثل الفيل، سترتحل عائلة فضّيّ الظهر بضعة كيلومترات يومياً، بحثاً عن الثمار والبذور.
تُعتبر هي والفيلة بستانيي هذا الدغل. يتمّ نثر البذور. وأشجار كثيرة هنا تدين بوجودها لهذه الحيوانات الضخمة.
هنا، تقود كل الطرق في النهاية إلى "إمبلي باي". الأماكن المفتوحة مثل هذه هي ميزة فريدة لأدغال "الكونغو"، ويُوجد أكثر من 100 مكان مفتوح منتشر عبر الغابة. تُعرف باسم "باي"، وتجتذب هذه الأماكن الكثير من سكّان الغابة.
يقود فضّيّ الظهر الطريق بحذر، ولكن عائلته على مسافة قريبة خلفه. تأتي حيوانات الغوريلا لتتغذّى على النباتات المائية الغنية بالملح، وهو معدن نادر الوجود داخل الغابة، ولكنه في غاية الأهمّيّة لنجاتها. تستخرج الأفيال الأملاح من الطين باستخدام خراطيمها.
أو بشرب المياه الغنية بالمعادن فحسب. عائلة فضّيّ الظهر ليست حيوانات الغوريلا الوحيدة هنا. تُوجد 200 غوريلا أخرى تستخدم هذا الـ"باي"، وأيضاً أكثر من 530 فيلاً، وهو دليل على أهمّيّة "إمبلي".
بالنسبة إلى الأفيال، يُوجد دور آخر بالغ الأهمّيّة لـ"باي". تقضي معظم حياتها وهي تتجوّل داخل الغابة وحدها، يمكنها هنا فحسب أن تحظى بالفرصة للقاء بعضها. بعكس معظم مناطق"باي" الأخرى في "الكونغو"، منطقة "إمبلي" محمية جيداً، مما يجعلها ملاذاً من الصيد غير القانوني.
يعود الخطر إليها حينما تغادر فحسب. وبسبب أنها أهم ناثرة بذور في "الكونغو"، فإن خسارة تلك الحيوانات الضخمة قد تكون لها آثار بعيدة المدى على مستقبل ثاني أكبر غابة مطيرة في كوكبنا. قد تبدو الأدغال متماثلةً ولكن يعد كلاً منها موطن لعدد من الحيوانات الفريدة.
"غينيا الجديدة" هي أكبر جزيرة مغطّاة بالأدغال في العالم، وأكثر من نصف نباتاتها وحيواناتها لا تُوجد في أي مكان آخر على الأرض. تشكلت هذه الجزيرة الشاسعة بسبب ماضيها الجيولوجي العنيف حيث حوّلها إلى مناظر درامية من الجبال والأودية. وهي عمليّة عزلت نوعاً عن آخر.
وبعد فصلها بهذه الطريقة، أصبحت حيوانات "غينيا الجديدة" غريبةً حقاً. ذكر طائر الجنّة ذو الأسلاك الـ12 هو الطائر الوحيد في العالم الذي يملك زينة للذيل مثل هذه، والتي يستخدمها لدغدغة وجه رفيقة محتملة. من سلف يشبه الغراب، تطوّرت طيور الجنّة إلى 40 نوعاً مختلفاً.
يحتوي كل مكان في هذه الجزيرة على نسخته الخاصّة. تعرّفوا إلى أبو منجل الأسود من مرتفعات "غينيا الجديدة"، وهو قادر على التحوّل إلى أشكال مختلفة عن أشكال الطيور. يمتلك كل ذكر من طيور الجنّة عرضاً فريداً لاجتذاب الإناث، ولا يُوجد طائر أكثر إذهالاً من الطائر الذي على هذا المسرح.
بالنسبة إلى طائر باروتيا الغربي، مالك المسرح، يُوجد عمل ليقوم به أولاً. في كل صباح، ينظّف باحته من الأشياء التي سقطت ليلاً. إنه عمل بالغ الأهمّيّة إن أراد أن يجتذب أنثى.
لا تزور الإناث إلّا أكثر الباحات ترتيباً ونظافةً. لذا ورقة شجر متمرّدة قد تفسد فرصه. هذا مثالي.
أثمر تدبيره المنزلي المهووس، وتقترب أنثى لتلقي نظرةً أدقّ. الآن حانت فرصته ليثير إعجابها حقاً، ولكن لن يكون الأمر سهلاً. الإناث صعبة الإرضاء جداً، وتتوقّع أن تكون فقرته الراقصة المصمّمة بعناية مثاليةً.
يفتتح رقصته بالانحناء. تالياً، يجب أن تعكس عينه الزرقاء لوناً أصفر. حتى الآن، كل شيء جيد.
يمتلك كل الحركات الناجحة. حركة راقية بالقدمين. الدرويش الدوّار.
ريش الرأس يخشخش مع الدوران. انتصاب ريش رأسها وارتعاش جناحيها هما علامة مشجّعة جداً. حركته الخفيفة وهزّ رأسه يبدوان جيدين من أي زاوية، لكن تكليل نجاحه لا يمكن تقديره إلّا من وجهة نظرها.
انتظروا. ها هي. لمعة من رقعة رقبته متعدّدة الألوان.
يزداد حماسها. أكسبه أداؤه نصراً، ويفوز بموافقتها. انعزال "غينيا الجديدة" خلق تنوّعاً فريداً من الحيوانات، لكن عمر غابة له تأثير أكبر على تنوّع الحياة التي تحتويها.
أدغال "بورنيو"، في جنوب شرق "آسيا"، ظلّت تنمو هنا طوال 130 مليون سنة، مما يجعلها الأقدم على الأرض. قمّة الجبل هذه من حجر الكلس في مرتفعات "بورنيو"، تشكّلت في الأصل تحت البحر. الزمن والمطر شكّلا حصن الأدغال هذا ليصبح أبراجاً بارتفاع 40 متراً.
أفضل طريقة لتوضيح العمر الطويل لدغل الجزيرة هذا عن طريق أحد أقدم الحيوانات المفترسة على الأرض. الدودة المخملية. تشعر براحة بالغة على الأرضية الرطبة للغابة.
إنها هنا منذ عصر الديناصورات، وظلّت من دون تغيير تقريباً. تكتشف فريستها الحشرة عن طريق الاهتزاز واللمس. ولكن من دون اللجوء إلى السرعة، كيف تمسك بهذه المخلوقات السريعة؟ الإجابة أغرب من الخيال.
بنادق غراء. يتصلّب الغراء اللزج عند الاصطدام، ويحتجز الحشرة سيّئة الحظّ. ستحقن الدودة المخملية الصرصور بلعاب هضمي، ثم تمتصّ عصارته الداخلية.
الرطوبة المرتفعة لأرضيّة الغابة ليست جيدة للديدان المخملية فحسب، إنها مثالية للفطر أيضاً، وأدغال "بورنيو" العتيقة مليئة بالأنواع. بتفكيكها للكائنات الميّتة، يعيد العفن اللزج والفطر تدوير مغذّيات نادرة. جعل الزمن أدغال "بورنيو" غنيّةً جداً ومتنوّعةً.
هنا، في مساحة صغيرة من الغابة، قد تُوجد أنواع من النباتات أكثر من التي تُوجد في "أوروبا" بأكملها، والتي تشمل بعضاً من أكثر النباتات تخصّصاً على الأرض. عبر بضعة أسابيع، تنتفخ هذه الأطراف النامية لتشكّل أباريق أو أوعية. يُوجد أكثر من 39 نوعاً من نبات الإبريق في "بورنيو"، ولا يُوجد معظمها في أي مكان آخر.
لتحصل على المغذّيات التي تعتمد عليها لتحيا، تعتمد نباتات الإبريق على الحيوانات، بطرق مدهشة غالباً. هذا زباب الشجر الجبلي، وهو حيوان لا يُوجد سوى في "بورنيو". في كل صباح، يزور زباب الشجر أباريق منطقته.
يعتمد على السائل السكّري والذي ينضح من شعيرات على غطاء الإبريق. عندما يلعق هذا الغطاء حتى يجفّ، سينتقل إلى آخر. ثم إلى آخر.
في النهاية، كل ذلك السكّر لن ينتج عنه سوى أمر واحد. في مقابل الطعام المجّاني، يترك زباب الشجر هديّة. سماد للنبات.
كل المطلوب هو أمطار مسائية لدفع براز الزباب إلى داخل تجويف الإبريق. من دون هذه النترات الإضافية، لا يستطيع النبات النجاة، والسعي وراء المغذّيات قاد بعض نباتات الإبريق إلى طريق شرير. نبات الإبريق الناحل يجتذب النمل إلى الجانب السفلي من الغطاء باستخدام قطرات من الرحيق.
ولكن ما الذي يعطيه النمل في المقابل؟ إنها قصّة تعتمد على المطر أيضاً. قوّة قطرات المطر تجعل من المستحيل أن يستطيع النمل التشبّث. إنها مصيدة القفز الوحيدة في عالم النباتات.
تتغذّى نباتات الإبريق هذه على أجساد النمل. تعتمد كل نباتات الإبريق على الحيوانات لنجاتها، وحتى أن إحداها متعاقدة مع خفّاش. يجد الخفّاش الصوفي نباتات إبريق "هيمسليانا" لأن الجدار الخلفي العريض للنبات يعكس إشارات الخفّاش فوق الصوتية.
الأباريق الشبيهة بالأنبوب هي مكان مثالي للمبيت. يوفّر الإبريق إقامةً آمنةً وتساهم فضلات الضيف في تخصيب النبات. تطلّبت علاقات مثل هذه ملايين السنين لتتطوّر، ولكن يمكن للكثير منها الاختفاء خلال عقد.
فقدت "بورنيو" أكثر من نصف أدغالها في الـ50 عاماً الأخيرة، والحال أسوأ حتى في جزر "الفلبين" المجاورة. هنا، اختفى 90 بالمئة من الغابة المطيرة الرئيسية. ما تبقّى هو الملاذ الأخير لأكثر الطيور الجارحة ندرةً في العالم.
النسر الفلبيني العظيم. لأنه لم يتبقّ منه سوى 400 زوج، فرؤية صوص في عشّ أمر بالغ الندرة. يتتبّع العلماء الأمّ منذ كان عمرها عاماً واحداً.
الآن عمرها 10 سنوات، وهذا صوصها البكر. عمره 4 أشهر، ويكاد طوله أن يصل إلى متر بالفعل، وثقته بنفسه شديدة، رغم أن الأمّ تحبّ أن تساعده. الصوص متطلّب جداً.
يتوقّع الصوص توصيل الطعام بشكل منتظم، ولكن حاله كحال طفل يمرّ بنوبة غضب، ولا يريد أي مساعدة في وقت الطعام. أصبح بالفعل في نفس حجم أبيه، وأكبر من أن يتجادل معه أحد. لكن إن كان يريد لصغيره أن يأخذ خطواته الأولى، يعرف أن الوقت قد حان لبعض الحبّ القاسي.
من الآن فصاعداً، سيقلّ عدد الزيارات. يزورها الأبوان حاملين الطعام أحياناً، ولكن خفّاش فاكهة صغير لا يثير حماسها. يصبح أمراً محيّراً حينما لا يزورك أبواك كثيراً كما كانا يفعلان.
ينادي عليهما كل يوم، ولكن لا أحد ينتبه إليه. إنه جائع، وكل ما تبقّى هو فضلات طعام. حان الوقت لتصبح نسراً جديراً.
تقوّي الرفرفة عضلات الطيران في جناحيه البالغ طولهما مترين. سيُستخدم الجناحان لحمل فريستها الثقيلة. رغم أن أمامها وقت لتتقن هذه المهارة.
حتى الآن، لم تغامر بالخروج بعيداً عن عشّها الآمن. ولسبب وجيه. إنها على ارتفاع 70 متراً من أرضيّة الغابة.
وهي سقطة قد تكون مميتةً. إنها لحظة تثير التوتّر، ولكن عليها المثابرة. الآن، ليس لديها سوى مخالبها.
الرياح الشديدة المفاجئة لا تساعد حينما تحاول التوازن فوق ارتفاع مميت، والهطول اليومي للأمطار لا يجعل الأمور أسهل. يصبح أقوى قليلاً كل يوم وأكثر ثقةً بنفسه. ثم يأتي اليوم الذي تماثل فيه ثقته بنفسه معرفته.
حانت اللحظة لتحلّق في السماء. طيرانها الأول من شجرة عشّها. ستحتاج إلى قرابة عام قبل أن تصبح مستقلّة تماماً.
ثم ستعتمد نجاتها على إيجاد منطقة تحتوي على دغل به مساحات شاسعة لم تُمسّ. في غابة "الفلبين" المجزّأة، يُوجد عدد قليل جداً من الفرائس لنسر ضخم الحجم. ولكن يُوجد دغل مساحته ما زالت أسطورية.
يبغ عرض حوض "الأمازون" 3 آلاف كيلومتر، وهو موطن نصف الغابة المطيرة التي تبقّت على كوكبنا. ولكن تُوجد تحدّيات للحيوانات التي تعيش في عمق "الأمازون". سعادين عنكبوتية سوداء، تراقب عيونها بقعة ملح.
الملح نادر الوجود هنا لبعد المنطقة عن البحر، لذا زيارة بقعة الملح أمر بالغ الضرورة. ولكن أولاً، يجب أن تتأكّد من عدم وجود حيوانات مفترسة في الأسفل. وجود حيوان أغوتي مسالم هو إشارة جيدة.
إنها المرة الوحيدة التي يطأ فيها سعدان عنكبوتي الأرض. وإن كنت ستضع رأسك في ثقب، فيفضّل وجود مراقب. لا تستطيع السعادين النجاة من دون هذه المعادن، والحيوانات المفترسة تعرف هذا.
تحذير من المراقب. إنه ليس إنذاراً زائفاً. النمر المرقط.
نادراً ما يُرى، لكنه أكثر حيوانات "الأمازون" افتراساً. مع رحيل النمر المرقط، تعود السعادين، ولكنها مخاطرة. لا أحد يعلم متى سيعود الحيوان المفترس.
ليست السعادين العنكبوتية فحسب التي يتراجع خوفها أمام الحاجة. في "الأمازون"، بقع الملح في أهمّيّة واحة في الصحراء. قد تصدر الضوضاء عن صديق أو عدوّ، لذا على كل زائر أن يستعدّ للهروب.
إنه إنذار زائف. إنه حيوان الأغوتي المسالم ثانيةً. في "الأمازون"، كل صنف من الحيوانات يمتلك أنواعاً أكثر من أي مكان آخر.
وهذا يشمل الضفادع. يُعتقد بوجود أكثر من ألف نوع مختلف من الضفادع هنا، وما زالت أنواعاً جديدة تُكتشف. تُعتبر الضفادع مؤشّراً لغابة مزدهرة، ولكن أهمّ سكانها هي أصغر قاطني الأدغال.
يُعتقد بوجود أكثر من 2 مليون نوع من الحشرات في "الأمازون". هذه أكثرها عدداً. يمكن لمستعمرة من النمل قاطع الورق أن يصل عددها إلى ملايين، كل مستعمرة هي كائن خارق بوظيفة مشتركة.
وهي جمع أوراق الأشجار وحملها إلى أعشاشها تحت الأرض. داخل منطقة مستعمرة النمل قاطع الأوراق، حوالي خمس النباتات النامية حديثاً سيحصدها النمل. يقطع أوراق الشجر بفكّين متخصّصين، يصدران اهتزازات عالية الذبذبة، والتي تجعل الورقة صلبةً، مما يسهّل قطعها.
بالعمل معاً، يمكنه تعرية شجرة من الأوراق في خلال 24 ساعة. تكمن الحيلة في التمسّك بالورقة أثناء السقوط. القول أسهل من الفعل.
لكن من الأفضل عدم العودة إلى العشّ خالي الوفاض. مستعمرة النمل قاطع الأوراق مثل آكل عشب عملاق، وتشبه فيلاً في "الكونغو"، وتأثيرها على النظام البيئي بنفس الأهمّيّة. يتبع النمل آثار الرائحة ليعود إلى عشّه، متفادياً عوائق غير متوقّعه.
ولكن لزيادة الكفاءة، يخلي النمل طريقه من الأوراق المتساقطة. قد يصل عمق عشّ النمل قاطع الأوراق إلى 8 أمتار، ويحتوي على آلاف الحجرات المترابطة. تحمل العاملات الأوراق المحصودة حديثاً إلى حجرات مخصّصة للمعالجة.
الأوراق ليست طعاماً، بل تُستخدم لصنع حدائق من الفطر، والذي يطعمه النمل لليرقات. يعتمد نجاح المستعمرة على الحفاظ على حدائقها من دون أمراض. لذا اتّحد النمل مع البكتيريا للمساعدة على السيطرة على الأمراض، والتي قد تدمّر فطرها الثمين.
يعتقد العلماء الآن أن هذه البكتيريا قد توفّر حلولاً جديدةً للأمراض البشرية. ولكن بالرغم من نجاح هذا النمل، يعتمد تنوّع الغابة المطيرة على عدم استحواذ نوع واحد على الأفضليّة. هنا، لا يحصل النمل على ما يريد دائماً.
هذه النملة تتصرّف بغرابة. تبدو مجبرةً على التسلّق إلى أعلى، وهي بالفعل على ارتفاع بضعة أمتار فوق أرضيّة الغابة. سيطر شيء ما على تحرّكاتها، مثل محرّك عرائس يشدّ خيوط الدمية.
يُوجد تصرّف أخير، لا تملك النملة الخيار لرفضه. يجب أن تجد مكاناً تعضّه، ليربطها بالنبات. بوجود النملة في قبضته المميتة، يخرج فطر طفيلي يُدعى "كورديسيبس" من جسدها.
وأخيراً، يخرج الجسم المثمر للفطر من رأسها. من هذه الحاوية المتضخّمة، ستُلقى الأبواغ في تيّارات الهواء، حيث ستحصد المزيد من ضحاياها من النمل. ولكن ليس النمل فحسب.
تُصاب كائنات أخرى كثيرة بفطر "كورديسيبس". كلّما زاد عدد نوع من الكائنات، زادت احتمالية سقوطها ضحيّة للفطر القاتل. ضوابط وموازين كهذه تعني أنه لا يُوجد نوع واحد يمكنه الهيمنة، لذا فهي تحمي التنوّع المذهل للأدغال.
ولكن اليوم، التنوّع في الغابات المطيرة في العالم يقلّ بمعدّل مرعب، وهذا بسببنا. استبدلنا الآن حوالي 27 مليون هكتار من الأدغال التي لم تُمسّ بنوع واحد من الأشجار. هذا نخيل الزيت، أحد أكثر المحاصيل إنتاجاً في العالم.
ولكن هذه الزراعات الأحادية تدعم جزءاً صغيراً من التنوّع المتواجد في الغابات المطيرة، وتدفع حيوانات كثيرة إلى الانقراض. في غابات المستنقعات في شمال "سومطرة" في "أندونيسيا"، ينفد الوقت لأحد أقرب أسلافنا. الأورانغوتان.
يتطلّب الأورانغوتان الصغير أكثر من 10 سنوات ليصبح مستقلّاً. يجب أن يتعلّم كل شيء من أمّه. مثل كيفية التنقّل بين الأشجار.
يعتمد البقاء على فهم كل حيوان أورانغوتان لرقعته من الغابة بشكل تامّ. قام العلماء المراقبون بتسمية هذا الثنائي "إيلي" و"إيدن". "إيلي" عمرها 18 عاماً، و"إيدن" هو طفلها البكر، وعمره 3 سنوات.
يحتاج الآن إلى بعض التشجيع. مثل كل حيوانات الأورانغوتان، تمتلك "إيلي" خريطة عقلية لمحيطها، والتي تشمل موقع كل شجرة مثمرة. يحتاج "إيدن" إلى تعلّم ذلك أيضاً، ولكن حالياً، يجب أن يشاهد كل شيء تفعله أمّه، ليتعلّم ليس ما يمكن أكله فحسب، بل وكيف يأكله.
يمثل كل يوم درساً جديداً لـ"إيدن". يُعد النمل هنا جزءاً كبيراً من غذائها، ويتطلب جمعها موهبة. حالما تعلق في فراء "إيلي"، يسهل التقاطها.
بالنسبة إلى "إيدن" الصغير، جوهر الأمر هو المشاهدة والتعلّم. قريب "إيدن"، "لوي" أكثر خبرةً. إنه أكبر من "إيدن" بـ4 سنوات، ويمكنه التنقّل بين الفروع بسهولة.
تطلّب الأمر بضع سنوات ليتقنها، ومن الواضح أنها موهبة يشعر أنها تستحق أن يتباهى بها. غزو قمم الأشجار هو مجرد المرحلة الأولى من تعليم الأورانغوتان. على "لوي" تعلّم الكثير من أجل البقاء.
الكثير جداً. وجدت أمّه "ليسا" جذع شجرة متعفّن يحتوي على الكثير من النمل. ولكن هذه الفرصة لالتقاط النمل تتطلّب المزيد من المعرفة.
على "ليسا" كسر أجزاء منه للحصول على النمل. يجب أن يقوم "لوي" بأكثر من المشاهدة فحسب في عمره. يجب أن يقلّد.
ليس مجهوداً سيّئاً. ولكن حتى في عمر 7 سنوات، لم يتقن بعد فنّ التقاط النمل. أمام "لوي" الكثير ليتعلّمه.
من ناحية أخرى، تخرّج "بلوتو" منذ وقت طويل. يبلغ عمره 30 عاماً ويزن 100 كيلوغرام تقريباً. إنه ملك هذه الغابة.
طرفا وجنتيه علامة على القوّة، شيء يتطلّع "لوي" إليه. "بلوتو" دائم البحث عن الطعام، وقد لمح للتوّ فرصةً واعدةً. هذه الدبابير تعني له شيئاً واحداً.
يرقات لذيذة. يفضّل أسلوب التحطيم والأخذ للحصول عليها. يحميه فروه السميك من معظم الدبابير الغاضبة، ولكن المكافآت تستحقّ المخاطرة ببعض اللسعات.
يراقب "لوي" من على بعد. يحتاج إلى أن يكون أكبر بكثير ومشعراً أكثر قبل أن يخوض معركةً مع الدبابير. ولكن تُوجد حيلة هنا قد تتطلّب نصف حياة لإتقانها.
تعلّمت "ليسا"، أمّ "لوي" صنع الأدوات من العصي، لاستخراج الحشرات. الأورانغوتان التي تعيش هنا هي الوحيدة في العالم التي اكتشفت هذه المهارة. يجب أن يحاول "لوي" تعلّمها أيضاً، ولكن قد يحتاج إلى 8 سنوات أخرى قبل أن يكون بارعاً مثل أمّه.
هذا الوقت الطويل للتعلّم جعل حيوانات الأورانغوتان أكثر ضعفاً أمام التغيّرات التي تحدث في غابتها. يُقدّر أننا نفقد 100 حيوان أورانغوتان أسبوعياً بسبب النشاط البشري. قد يكون جيل "لوي" و"إيدن" آخر جيل للأورانغوتان البرّيّ.
حينما كان "بلوتو" في مثل عمريهما، كان الدغل موطنه يمتدّ إلى نهاية الأفق. ولكنه لم يعد كذلك. في العقود الـ4 الأخيرة، الدغل السهلي البكر الذي تعتمد عليه حيوانات الأورانغوتان تضاءل بمعدّل صاعق يبلغ 75 بالمئة.
نفقد غابات استوائية عبر العالم بمعدل يقارب 15 مليون هكتار سنوياً. ونفقد معها كنز التنوّع في الكوكب. تخزّن الأدغال وتحبس كربون أكثر من أي موطن طبيعي على الأرض.
إنها تبرّد كوكبنا، وتوفّر الطعام والدواء. إننا نفقدها بشكل يضرّنا. الرجاء زيارة الموقع الظاهر على الشاشة لمعرفة ما يجب أن نفعله الآن لحماية أدغالنا.